في الساعات الماضية، برزت مجموعة من التسريبات الإسرائيلية، حول إمكانية الذهاب إلى إتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان، تحت عنوان إنجاز أهداف العمليّة البريّة التي يقوم بها الجيش منذ أسابيع، وهو ما ترافق مع الأنباء عن زيارة، كان من المفترض أن يقوم بها، المبعوث الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين إلى تل أبيب، للبحث في إمكانية الوصول إلى تسوية.

من حيث المبدأ، كان من الواضح أن هذه التسريبات منسقة من قبل جهات سياسية وأمنية في إسرائيل، نظراً إلى أنها كانت متشابهة في مضمونها، الأمر الذي يؤكّد أنها لم تكن دون هدف محدد، إلا أنها في المقابل لا تعكس رغبة حقيقية في الوصول إلى إتفاق، على إعتبار أن هذا الأمر، من الناحية السياسية تحديداً، لم ينضج بعد، في ظل المواقف المعلنة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن هذا السلوك سبق أن تكرر، في أكثر من مناسبة، خلال الأشهر الماضية من العدوان على قطاع غزة، حيث كان الجانب الإسرائيلي يتعمد بث معلومات عن إمكانية الوصول إلى إتفاق، قبل أن يبادر إلى العودة للمسار التصعيدي، بالتزامن مع رمي مسؤولية عرقلة الإتفاق المزعوم على عاتق قيادة حركة "حماس".

هنا، تلفت المصادر نفسها إلى نقطة بالغة الأهميّة، تكمن بأنّ الجانب الإسرائيلي، بالتزامن مع التسريبات التي تطال الوضع على الجبهة اللبنانية، لا يزال يطرح شروطاً، أمنيّة وسيّاسية، عالية السقف، يدرك مسبقاً أن ليس هناك، ممّن يتولّون التفاوض بشكل رسمي، قادراً على الموافقة عليها، وبالتالي هو يعلم أن فرص الوصول إلى إتفاق بعيدة، في حال لم يبادر إلى خفض السقف المطروح، إلا أنه في المقابل يريد رمي كرة التعطيل على المسؤولين اللبنانيين.

من الناحية العملية، ليس هناك من لا يؤمن بأن قرار وقف إطلاق النار يتوقف على أمرين: الأول مبادرة الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوط جدّية على إسرائيل، أما الثاني إقتناع نتانياهو بهذا المسار الآن، بدل إنتظار ما ستفرزه نتائج الإنتخابات الأميركية من نتائج، لمعرفة مع من عليه أن يتعامل في المرحلة المقبلة.

بالإضافة إلى رمي كرة التعطيل على المسؤولين اللبنانيين، ترى المصادر المتابعة أن من الضروري الإشارة إلى أن هذه التسريبات تأتي من باب الحرب النفسية على اللبنانيين، لا سيما الذين اضطروا إلى النزوح من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، من خلال رفع مستوى التفاؤل بإمكانية إنتهاء الأزمة في وقت قريب، قبل أن يُسار إلى إحباطهم من جديد، لأن هذا الأمر لم يتحقق، ما قد يدفعهم إلى رفع الصوت عالياً.

أبعد من ذلك، تذهب المصادر نفسها إلى الحديث عن أن هذا الأمر لا ينفصل عن محاولة إشعال فتنة داخلية، خصوصاً مع تزايد الشائعات التي تطال النازحين ومراكز الإيواء بشكل لافت، في وقت كان الناطق بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، أول من أمس، قد توجه رسالة تحريضية إلى اللبنانيين، حيث تلفت إلى أنه في ظل هذه الإجواء يراد من البيئات الأخرى التحرك للضغط على "حزب الله"، بينما من الممكن أن يبادر الجيش الإسرائيلي إلى توسيع تكثيف عملياته البرية.

في المحصّلة، توضح هذه المصادر أنه بالتزامن مع رمي مسؤوليّة التعطيل على الجانب اللبناني، سيتم تعزيز الشائعات التحريضيّة بشكل أكبر، وربما الإنتقال إلى خطوات عملية في الأيام المقبلة تصب في الإطار نفسه، لكن الأساس يبقى أنّ الكرة في ملعب الجانب الإسرائيلي، في حال أراد الذهاب إلى إتفاق الآن، وهو ما يتوقف، أولاً وأخيراً، على نتائج المواجهات البرية قبل أيّ أمر آخر.